حيث تذهب كل الأشياء
اخترت أن يكون اسم المدونة “إلى النهر” لأنه كان الوجهة الأحب دائماً لي، منذ الطفولة، وحتى اللحظة، أي مكان لا نهر فيه ناقص. كانت رؤيته المبتغى من كل رحلة أو نزهة أو مجرد جولة سريعة في السيارة.
وسأتحدث هنا ليس عن نفسي فقط، فهذا سيجيء وقته فيما بعد، لكن عن امتدادات النهر وتجذره في حياتي، وحياة العائلة الأقرب في الزمن، والأكثر بعداً. فقد كان على الدوام مثل فرد من العائلة، إلى جواره عشنا حياتنا، وسيظل هناك يجري غير مكترث بنا إلى الأبد. لسنا سوى لحظة قصيرة في مسيره الطويل، لكنه نهرنا: في مياهه غمسنا قلوبنا مرات كثيرة، وفي زرقته كبرت قدميّ الصغيرتين، وظلت تحنّ للعودة إليه، أبُ الذاكرة، والارتواء، والخوف.
إنه هناك، لم نكن نسميه “النهر” بل الشط، وكبرتُ حتى عرفت بأن للشط اسماً، وكان الفرات.
كان الجواب على كل سؤال يبدأ بـ: أين سنذهب اليوم؟ والبرودة التي نعود إليها في ذاكرتنا حين يرهقنا حرّ الصيف، والرطوبة التي تزور أحلامنا عندما تجفّ الأيدي والأقدام وتخفت الضحكات. مياهه تحيي، ولونه يبلّل جفاف عيوننا، وبرودة أمواجه تسمح لأقدامنا أن تزور مناطق ساحرة لم تطأها من قبل. كان كل شيء، ونعرف، حتى ونحن نبتعد عنه يوماً بعد آخر، بأنه سيظل.
مكمن الذاكرة، والحكايات، والجذور البعيدة.
فإليه، إلى ذلك النهر.
أدناه، بعض من الصور الملتقطة مؤخراً للشط، قد تكون دقتها غير جيدة، لكنه النهر في النهاية.